للـ"السياسة": لا حلول إلا بمخاطبة المجتمع الدولي بلسان واحد معارض لحزب الله

الأربعاء 14 شباط 2024

 

كتب رامي نعيم في "السياسة":

جميعنا يعلم بأن الصخرة هي شعار حزب الكتائب اللبنانية، لكن لا يعلم كثيرون بأن الكتائبيين اختاروا الصخرة شعاراً لهم نسبة إلى اسم بكفيا، البلدة اللبنانية المتنية. وبكفيا بالسريانية تعني بيت الصخور. ولمن يعرف بكفيا لا حاجة له لوصفنا فهو حتماً يعرف كيف تكون لوحات الطبيعة وكيف يرسم الله بيد الفصول وكيف تتبعثر الألوان على الجدران والطرقات والغابات.

قصدنا من موقع السياسة أنا وزميلتي حنين دياب بكفيّا للقاء رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميّل. ومن منطقة جلّ الديب حيث مكاتب السياسة إلى بكفيا ما يقارب النصف ساعة. ولأن حنين لا تعرف المتن الشماليّ جيّداً رحتُ اخبرها عن القرى والبلدات التي مررنا بها مستذكراً تاريخاً بطولياً سطّره المتن الشمالي وكان السبب الأول لصمود اللبنانيين في وجه مشروع طريق القدس. يومها استُشهد الأبطال وترّملت النساء وتيتّمت الأطفال كما يحدث في الجنوب اليوم لكنّ حينها كان السبب لبنانياً والهدف لبنانياً والقلبُ والعقلُ كذلك.

الموعد مع الشيخ سامي كان الساعة ١٢ لكنّنا وصلنا بكفيا الساعة ١١:٣٠ ولأنني مأخوذ بالتاريخ وبالسياسة وبلبنان أكملت طريقي مع حنين إلى ضهور الشوير حيث تمثال المعلّم أنطون سعادة. وضهور الشوير جارة بكفيا وسبب وجعها ووجع أكثرية اللبنانيين الشرفاء هي مسقط رأس مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي أنطون سعادة، هذا الحزب الذي اغتال من خلال أحد عناصره حبيب الشرتوني رئيس الجمهورية الأبرز في تاريخ لبنان بشير الجميّل. انّه القدر! هذا القدر الذي منع البشير من تحويل لبنان إلى جنة الشرق هو نفسه الذي خلق انطون سعادة وفكره القومي في الحقبة الأدقّ من تاريخ لبنان. وهذا القدر نفسه هو الذي اغتال لاحقاً رئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون ومثل اليوم من ١٩ عاماً رئيس الحكومة الأبرز بتاريخ لبنان رفيق الحريري. قدر الأحرار في هذا اللبنان أن يُقتلوا على أيدي من يعشقون الموت والدم .

رمقتُ التمثال في ضهور الشوير بنظرة عتب وعدتُ أدراجي الى بكفيا للقاء من يحتمي بصخور بلدته من غدر المهدّدين.

وسامي الجميّل ليس نائباً سامي هو حالة. منذ نشأته ولبنان يسكنه. فيه من البشير ومن أخيه الشهيد بيار ومن أبيه العنيد.. هو خلطة كتائبية لبنانية. بالمختصر هو من الأقحاح اللبنانيين الذين دفعوا الأثمان ولم يتعبوا. هدّدوه بالقتل فسلّم نزولاً عند رغبة عائلته وحزبه عدم تعريض حياته للخطر واستوطن بكفيا. ومقرّ حزب الكتائب في بكفيا محميّ بالكنيسة وقلوب الأمهات ودماء الشهداء، ويعجّ بالكتائبيين وبالمحبّين.

يحدّثك سامي عن لبنانه، عن الأمل عن الفرصة الأخيرة عن الإصرار عن المتاعب والمشاكل والعراقيل. يحدّثك عن لبنان بشغف الطفل الذي يصف لعبته الضائعة. في صوته جرح وفي عينيه غصّة لكنّه لم يفقد الأمل. في ساعات عمله الطويلة لا همّ عنده سوى جمع المعارضة وتكوين حلف قويّ داخليّ في مواجهة مشروع حزب الله.

تسأله عن الإقتصاد يعود إلى حزب الله تسأله عن الفساد يصل إلى حزب الله تسأله عن الأمن والأمان يستحضر حزب الله. فالحزب بنظر رئيس الكتائب خطف لبنان وإرادة اللبنانيين وأقنع المجتمع الدولي بأنه قادر على اعطائه ما يريد. في ذاكرة سامي أحداث عامي ١٩٨٩ - ١٩٩٠ حيث سلّم الرئيس الأميركي جورج بوش الأب يومها لبنان إلى سوريا فما الذي يمنع المجتمع الدولي من تسليم لبنان اليوم إلى حزب رسّم مع الإسرائيليين وأعطاهم ما يريدون وحمى حدودهم وأخرج للأميركيين عامر الفاخوري بقرار قضائي رسميّ لبناني؟ من الذي يمنع برأي الجميّل تحويل لبنان كله الى ضاحية جنوبية؟

ومن هنا يعتبُ على بعض الحلفاء غير الجادين في توحيد صفوف المعارضة، ويجزم بأن لا حلول إلا بمخاطبة المجتمع الدولي بلسان واحد معارض لحزب الله، لكنّه في الوقت نفسه لا يخفي امكانية التوصل إلى إعلان فريق معارض يضم أكثر من ١٥٠٠ شخصية سياسية بارزة تقول لا لحزب الله. عندها سيكون المجتمع الدولي مجبراً على مخاطبة المعارضين وسيصبح حزب الله مرغماً على تقديم تنازلات ستصب حتماً في مصلحة الدولة اللبنانية والدستور. وعندها يعتبر الجميّل نبحث في انتظام القضاء ومنع الفساد وحماية المؤسسات لنعيد بناء لبنان الجديد الذي خسر خيرة شبابه هرباً من مشروع حزب الله.

لكنّ سامي يعرف أن إمكانية تفشيل حلمه بتشكيل حلف معارض يضم جميع المعارضين قائمة وهو لهذه الغاية أعدّ الخطوة التالية ولا يزال ينتظر ما ستؤول اليه المفاوضات الشاقة مع التغييرين والسياديين والمعارضين والحزبيين والموعودين والخائفين والمنتظرين والمستفيدين. ينتظر بفارغ الصبر وبحكمة من خبر السياسة اللبنانية جيداً وعرف كيف يتعامل مع الحلفاء والخصوم.

يحلو لك مجالسة رئيس حزب يُشبهك بلبنانيته ويلهمك بجرأته، تحسب الساعات دقائق، تسترجع معه ذكريات النضال الشبابي وتفرح بتواضعه.

تترك بكفيا مجبراً، فالمشاغل كثيرة لكنّك وانت عائد إلى جل الديب تعود إلى أذهانك صورة تمثال ضهور الشوير. ماذا لو احتمى سامي من اجرام حزب الله بصخور بكفيا وأتته الطعنة من ضهور الشوير؟ ألم تكن الجارة سبب جرح معظم اللبنانيين الشرفاء؟

تواصل معنا