الطعن في الموازنة العامة والموازنات المحقة لعام ٢٠١٨

 

حضرة رئيس المجلس الدستوري المحترم


مراجعة طعن في دستورية قانون

مع طلب وقف تنفيذ

 

مستدعو الطعن: النواب: سامي الجميل- نديم الجميل- سامر سعادة- فادي الهبر-ايلي ماروني-  سيرج طورسركيسيان- ايلي عون- جيلبيرت زوين- يوسف خليل- دوري شمعون.

 

القانون المطعون بدستوريته: القانون رقم 79 الصادر بتاريخ18نيسان 2018 والمنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد رقم 18تاريخ 19/4/2018، والذي ينص على الموازنة العامة والموازنات المحقة لعام 2018.


مستند رقم 1 مرفق:  القانون رقم رقم 79 الصادر بتاريخ 18 نيسان 2018.

 

*****

 

يتشرف المستدعون بالتقدم من المجلس الدستوري بمراجعة الطعن هذه بدستورية القانون رقم 79 الصادر بتاريخ 18 نيسان 2018 والمنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد رقم 18 تاريخ 19/4/2018، وذلك وفقاً للاختصاص المحفوظ للمجلس الدستوري في المادة 19 من الدستور، وقد راعى مستدعو الطعن المواد 18 و19 من القانون الرقم 250/1993 وتعديلاته (إنشاء المجلس الدستوري) و30 الى 33 ضمناً من القانون الرقم 243/2000 وتعديلاته (النظام الداخلي للمجلس الدستوري)، طالبين قبول هذه المراجعة في الشكل والأساس وتعليق مفعول النص موضوع المراجعة ونشر قرار التعليق في الجريدة الرسمية عملاً بالمادتين 20 من قانون إنشاء المجلس الدستوري و34 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري المشار إليهما أعلاه، وذلك للأسباب التالية:

 

أولاً- في الشكل:


بما أن مراجعة الطعن هذه مقدمة بتاريخ 24/ 4/2018 أي ضمن مهلة الخمسة عشر يوماً التي تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية، وفقاً لما نصّت عليه المادة 19 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، وهي مستوفية سائر الشروط الشكلية لاسيّما لجهة تقديمها إلى رئاسة المجلس الدستوري مذيّلة بتوقيع عشرة نواب شخصياً،

لذا، يطلب مستدعو الطعن من مجلسكم الكريم قبول هذه المراجعة شكلاً.

 

ثانياً- في الأساس:

 

 

بما أن القانون المطعون فيه والمشار إليه في مقدمة الطعن ينصّ على الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2018،

 

وبما أنّالعمل الفوري بأحكام هذا القانون يعرّض حقوق المواطنين وخزينة الدولة والمال العام لضرر خصوصاً في ما يتعلّق بالتعديلات الضريبية في حال تمّ الرجوع عنها أو إلغاؤها أو تعديلها في حال قبول هذا الطعن وإعادة القانون إلى مجلس النواب،

 

لذا، يطلب مستدعو الطعن من مجلسكم الكريم اتخاذ القرار فوراً بوقف تنفيذ مفعول القانون المطعون فيهجزئياً أو كلياًريثما يصار إلى بت الطعن في الأساس، حفاظاّ على حقوق المواطنين والمال العام ومنعاً للوقوع في حالة اللاستقرار القانوني التي تؤثّر بشكل سلبي على الانتظام المالي للدولة.

  

 

 

أولاً- لجهة وجوب احترام أصول ومهل التشريع الدستورية واحترام الموجبات والصلاحيات الدستورية لمجلس النواب

 

بما أنّ المادة 32 من الدستور اللبناني تنص على ما حرفيته:"يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين فالعقد الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذاروتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة العقد إلى آخر السنة."

 

وبما أنّ المادة 83 من الدستور اللبناني تنص على ما حرفيته:"كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بندا بنداً"،

وبما أنّ مشروع قانون الموازنة قد تمّ إقراره في الحكومة بتاريخ 12 أذار 2018وتمّت إحالته إلى المجلس النيابي في اليوم التالي بموجب المرسوم رقم 5208 تاريخ 12/3/2018، يتبيّن من ذلك أنّ مشروع موازنة 2018 لم يرسل إلى مجلس النواب قبل بدء العقد العادي الثاني لسنة 2017 أي قبل 15 تشرين الأول 2017، لا بل تخطى هذه المهلة بــ 6 أشهر وأودع المجلس النيابي بعد انتهاء العقد الثاني لسنة 2017 وبداية العقد العادي الأول لسنة 2018، أي بعد انقضاء ثلاثة أشهر من السنة المالية لموازنة 2018، وبدء تطبيق القاعدة الإثني عشرية، فيكون بذلك قد خالف المادة 83 من الدستور اللبناني لجهة عدم احترام وتخطي المهلة الدستورية المنصوص عليها،

وبما أنّ قانون الموازنة قد تمّ التصويت عليه وإقراره في الهيئة العامة لمجلس النواب بتاريخ 29 اذار 2018، أي بعد نهاية كانون الثاني 2018 بـثلاثة أشهر، فيكون بذلك قد خالف أيضاً المادة 32 من الدستور اللبناني لجهة تخطي وعدم احترام المهل الدستورية المنصوص عليها لدرس ومناقشة الموازنة وإصدارها.

وبما أنّ الحكومة قد برّرت التأخير الحاصل في إعداد مشروع موازنة 2018 بأنّ سببه إجراء تعديلات وإصلاحات على مشروع موازنة  2018 وفق التوصيات التي رفعتها لجنة المال والموازنة والهيئة العامةلمجلس النواب عند مناقشة وإقرار موازنة 2017،

وبما أنّ ذلك لم يحصل كما هو ثابت في مشروع  قانون الموازنة، فيكون تأخير إرسال الموازنة إلى المجلس النيابي وإقرارها خلافاً للمهل الدستورية غير مرتبط بأي ظروفٍ استثناية وغير مبرّر ويعود إلى تقاعس السلطة التنفيذية وإهمالها وعدم اعتبارها الموازنة أولوية وواجباً دستورياً يجب الالتزام به احتراماً لسمو الدستور وحفاظاً على انتظام المالية العامة والاستقرار المالي وحمايةً لحقوق المواطنين والمصلحة العامة وانتظام أداء المؤسسات الدستورية،  وتكون نتيجة عدم احترامها للمهل الدستورية  الإضرار بانتظام العملية التشريعية ( Porter atteinte à la régularité de la procédure législative).

وقد دأبالفقه الدستوري اللبناني على عدم اعتبار المهل الدسورية  "مجرد إجراءات ذات طابع عملي وتنفيذي" بل ضماناً للشرعية والأمان التشريعي.

".... إنّ المهل الدستورية عموماً مرتبطة بالشرعية الدستورية وبمبدأ الأمان التشريعي. يقتضي تالياً التقيّد بها بشكل مطلق بسبب دورها الأساسي في استقرار المنظومة الحقوقية".

-د.أنطوان مسرّة، الزمن والقانون: طبيعة المهل الدستورية ضماناً للشرعية والأمان التشريعي، المجلس الدستوري 2009-2010

 

إنّ وجود طريقة منظمة وفق مهل زمنية محدّدة  لعملية الموازنة يعتبر أمراً أساسياً لعمل سلطة تشريعية فعّالة ويضمن إجرائها على دورة سنوية ضمن برنامج أو جدول متكرر فيه أنشطة محدّدة تتعلق بإعداد الموازنة وإقرارها وتنفيذها ومراقبة تنفيذها.

وقد تضمّن الدستور اللبناني آلية تلزم السلطة التنفيذية أن تقدّم موازنتها إلى السلطة التشريعية وتعرضها عليها قبل موعد معيّن من بداية السنة المالية الجديدة بهدف منح الوقت الكافي والمناسب للمجلس النيابي- من 15 تشرين الأول إلى 31 كانون الثاني- لدراسة الموازنة وبحث تفاصيلهاوالتداول بها وصياغة التعديلات ثمّ إقرارها والموافقة عليها كقانون قبل بدء السنة المالية.

إنّ توقيت عملية الموازنة والوقت المتاح لمناقشتها يمكن أن يكون له تأثير رئيسي على نوعية التحليل والمداولات التي يجريها البرلمان. فواردات الموازنة من ضرائب ورسوم وطرق إنفاق المال العام لها نتائج اقتصادية ومالية تعني المواطن بشكل مباشر وتؤثر في واقعه ومستقبله ومستقبل أولاده.

من هنا أهمية إشباع الموازنة درساً والمناقشة والمساءلة والرقابة انطلاقاً من واجب البرلمان الدستوري وبما يضمن اتخاذ القرارات الرشيدة المؤدية إلى تحقيق المصلحة العامة وتأمين حقوق الخزينة والمال العام مع الحفاظ على حقوق الفرد في المجتمع.

وقد اعتمدت معظم البرلمانات في الأنظمة الديمقراطية فترة زمينة تتراوح ما بين شهرين وأربعة شهور بين تقديم مشروع الموازنة والسنة المالية الجديدة للتداول وإقرار الموازنة السنوية بعد إجراء تقييم مناسب، وإتاحة الفرصة لمناقشة وافية ولمراجعة ومحاسبة سياسات الحكومةوإعادة النظر بأولوياتها،

من هنا أهمية انتظام المراحل الأربعة التي تمرّ بها الموازنة العامة للدولة اللبنانية واحترام المواعيد الدستورية وإعطاء الوقت الوافي والكافي لاشباع مشروع قانون الموازنة درساًلضمان الاستخدام الأمثل للأموال العامة واحترام معايير الفعالية، والنزاهة، والانتظام، واستقامة مسار الحياة الديمقراطية.

إلاّ أنّه يتبيّن من مسار مناقشة موازنة 2018 أنّ مداولات لجنة المال والموازنة التي استغرقت تسعة أيام فقط، من 16/3/2018 إلى 26/3/2018،كانت ذات سرعة قياسية ليس فقط نسبةً للمعدل العام الذي تستغرقه هذه المناقشات في الدول البرلمانية الديمقراطية، بل نسبةً لمداولات هذه اللجنة نفسها في السنين السابقة، إذ كانت مناقشة مشروع الموازنة تستغرق كل فترة العقد العادي الثاني.
والغرض الوحيد من هذه السرعة في مناقشة موازنة 2018 وعدم التمحيص في دقائقها بشكل وافٍ يعود لأهداف سياسية بحتة لا علاقة لها بالأصول التشريعية والدستورية وضرورة إقرار موازنة بشكل دوري، بلبالمشاركة في مؤتمر "سيدر" وتسهيل استدانة الحكومة من مصادر خارجية،

إنّ احترام الاجراءات والمهل اللازمة لمناقشة الموازنة وإقرارها هو ضمانة الأمان القانوني والمالي وضمانة للحقوق التي منحها الدستور للنواب بإجراء تعديلات على الموازنة والرقابة على الانفاق.

ومخالفة أو تخطي ذلك يسلب السلطة التشريعية قدرتها في التأثير على وضع الموازنات وإقرارها والتمكّن من مراقبة السياسة المالية وانفاق المال العام بطريقة فعالة وشفافة.ويحوّل السلطة التشريعية إلى أداة بيد السلطة التنفيذية توافق وتبصم بشكل آليّ على أعمال الحكومة بعد مناقشة سريعة صورية لمشروع الموازنة المحال إليها.

إن قيام كل مؤسسة دستورية بالمهام المناطة بها ضمن الصلاحيات المعطاة لها، وفي إطار القواعد والمبادئ التي نص عليها الدستور هو أساس النظام البرلماني ودولة القانون.

 le  bon déroulement du débat démocratique, et partant, le bon fonctionnement des pouvoirs publics constitutionnels

ولا يحق للمجلس النيابي الاستخفاف أوالتخلّي عن واجبه الدستوري في المناقشة والمساءلة والرقابة على موازنة الدولة بما يضمن اتخاذ القرارات الرشيدة المؤدية إلى تحقيق المصلحة العامة وتأمين حقوق الخزينة والمال العام مع الحفاظ على حقوق المواطن. وإلاّ نكون عندها أمام حالةاستنكاف السلطة التشريعية عن القيام بواجبها الدستوري أو ما يعرف بالفرنسية بـ un cas d’incompétencenégative.

ولا يبدو استخفاف النواب بواجبهم الدستوري جلياًفي عدم المناقشة الجدية لمشروع الموازنة في لجنة المال والموازنة فحسب، بل أيضاً من خلال مجريات الجلسة التشريعية التي خصّصت لإقرار الموازنة بتاريخ 28 و29 أذار 2018 وظروف المداولات والتصويت التي تمّ فيها اعتماد القانون. فقد أثار كلّ من النواب سامر سعادة وسامي الجميل وسيرج طورسركيسيان يوم 29 أذار 2018 مسألة فقدان النصاب عند التصويت على البنود والمواد عدّة مرات خلال الجلسة التشريعية، كما تمّ تعليق الجلسة لمدة 20 دقيقة من قبل رئيس المجلس من الساعة الواحدة ظهراً حتى الساعة الواحدة و20 دقيقة بانتظار اتصال رؤساء الكتل بنوابهم للحضور إلى مجلس النواب وتأمين النصاب، وقد تناقلت الأمر وسائل الإعلام كافة.

 

وبما أنّ مقدمة الدستور قد تم إستنساخها حرفياً من وثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف)، وهي تنص على مبادىء يرتكز عليها نظامنا الدستوري،

وبما ان إجتهاد مجلسكم الكريم قد استقر على اعتبار هذه المبادىء ذات قيمة دستورية، ومقدمة الدستور متمتعة بالقوة الدستورية ذاتها التي تتمتع بها أحكامه، ذلك ان المقدمة والمبادىء تؤلف جميعها مع الدستور كلّاً لا يتجزأ، من ضمن ما يسمّى " الكتلة الدستورية" Le bloc de constitutionnalité.

وبما أنّ الفقرة (ج) من مقدمة الدستور تنص على ان "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل"،

وبما أنّ الفقرة (د) من مقدمة الدستور تنص على ان "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية"،

فإنّ عدم قيام المجلس النيابي بواجبه الدستوري بمسؤولية كاملة هو انتهاك فاضح للنظام البرلماني ومخالف للفقرتين  (ج) و (د) من مقدمة الدستور.

لذا، يقتضي إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته المادتين 32 و83 من الدستور اللبناني لجهة وجوب احترام أصول ومهل التشريعالدستورية، والفقرتين (ج) و (د) من مقدمة الدستور لجهة احترام الموجبات والصلاحيات الدستورية لمجلس النواب.

ثانياً- لجهةوجوب احترام المبادئ والأصول والقواعد الدستورية التي ترعى الموازنة

 

بما أنّ المادة 83 المذكورة نصّت على مبادئ دستورية خمس ترعى إعداد الموازنة ومضمونها وهي مبادئ السنوية والوحدة والشمول والشيوع والتوازن،

وبما أنّ المادة 5 من قانون المحاسبة العمومية فصّلت مقتضيات المادة 83 من الدستور على الشكل التالي:

"قانون الموازنة هو النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة. يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الإعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة".

ويُستفاد من هذين النصّين أنهما يحظران تضمين قانون الموازنة نصوص تشريعية أو قانونية أو تنظيمية لا تمت إلى الموازنة بصلة، أي أحكام وقوانين لا تتعلق مباشرة بتقدير الواردات والنفقات وإجازتها وتوازن الموازنة ، وهي نصوص يقتضي تضمينها في قوانين مستقلة عن قانون الموازنة.

وما ذلك إلا وجهٌ من أوجه مبدأ وحدة الموازنة وتكريسه على أرض الواقع.

وبالفعل، من الناحية المادية، ينطوي المبدأ الأخير المذكور على عدم جواز إدراج أحكام لا تتعلق بالتدفقات المالية للدولة في قانون الموازنة أو ما يعرف بفرسان الموازنة "les cavaliers budgétaires".

وقد استقر اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي أيضاً على إبطال كل الأحكام المدرجة في قوانين الموازنة الفرنسية والتي لا تتعلق مباشرة بتنفيذ الموازنة والتي تعرف بفرسان الموازنة  (cavaliers budgétaires)

بالفعل، وفي العام 1981[1]، أبطل المجلس الدستوري الفرنسي أحكام تتعلق بتعديل تأليف لجنة المنافسة. وفي العام 1984[2]، أبطل أحكام تتعلق بالإمكانية الممنوحة للدولة بإنشاء مؤسسات تعليم رسمية ليصار إلى نقل ملكيتها إلى السلطات المحلية. في العام 1990[3]، جرى إبطال أحكام تتعلق بمراقبة ديوان المحاسبة للأعمال والهيئات التي تلجأ إلى التبرعات العامة. في العام 1993[4]، أُبطلت أحكام تتعلق بإنشاء مجموعة ذات منفعة عامة تتولى مكننة السجل العقاري في منطقة Alsace-Moselle. في العام 2003[5]، تمّ إبطال مادة تتعلق بتاريخ صلاحية جوازات السفر الممنوحة بصورة إستثنائية. في العام 2008[6]، أبطل المجلس الدستوري الفرنسي مادة من قانون الموازنة توجب على الحكومة تسليم تقرير إلى البرلمان حول الآلية التي تسمح تعليق التدفقات المالية المتأتية من أو المرسلة إلى "ملجأ ضريبي" (paradis fiscal) ومراقبة المؤسسات المتواجدة فيها؛ كما أبطل الأحكام المتعلقة بإمكانية وشروط إدارة محلات التبغ من قبل شركات التضامن. في العام 2009[7]، أُبطلت أحكام تتعلق بتعديل قانون النقد والمال وقانون التجارة لإصلاح نظام إعادة تقدير بعض بدلات الإيجار.

وبما أنّ قانون موازنة 2018 يتضمن 56 مادة موزعة على أربعة فصول يختص الفصل الأول منها بمواد الموازنة وفقاً لعنوان وروده، في حين يرد في الفصول الثلاثة الأخرى مواد دخيلة على نطاق قانون الموازنة كما حددته المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية،

لذا، يقتضي إبطال الفصول الثانية والثالثة والرابعة فيالقانون المطعون فيه لمخالفتها المادة 83 من الدستور اللبناني لجهة احترام مبدأ سنوية الموازنة ولجهة عدم جواز تضمينه أحكاماً لا تتعلق مباشرة بتنفيذ الموازنة.

وبما أنّ المادة 13 من قانون الموازنة العامة والموازنة الملحقة لعام 2018 المطعون فيهفصلت الدعم المقرّر لتغطية عجز مؤسسة كهرباء لبنان  المقدّرة كلفته بــ 2100 مليار ليرة (قبل ارتفاع أسعار النفط) عن حسابات الموازنة العامة، وأعطت مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة من خاج الموازنة بدلاً من أن تكون ضمن أرقام الموازنة الثابتة، وهي سابقة لم تقم بها في أي من الموازنات السابقة ومشاريع الموازنات السابقة، (Dépenses débudgétisées)

وبما أنّ هذا الإجراء- البدعة تمّ اللجوء إليه لأسباب سياسية بحتة تتعلق بإرضاء الممولين في مؤتمر سيدر الذين فرضوا على الدولة اللبنانية خفض نسبة العجز إلى الناتج المحلي،

وبما أنّ هذا التدبير لم يجرِ وفقالأصول المحاسبية والقواعد المالية السليمة، لا بل هو مخالف بصورة فاضحة للأصول الدستورية ولقواعد المحاسبة العمومية، ويحجب وضوح الصورة وشفافية الأرقام حول العجز الحقيقي في الموازنة الذي يجب أن يكون ظاهراً للعموم لا خفياً على الخزينة العامة وغير مدرج في الموازنة،

وبما أنّ مبدأ وحدة الموازنة يعني أن لا يكون للدولة سوى موازنة واحدة تحتويها وثيقة واحدة تجمع جميع نفقاتها وجميع وارداتها،وبما أنّ مبدأ الشمول يقضي بأن تظهر الموازنة قسما النفقات والواردات بكامل مبالغهما مهما كان مصدرها أو مقدارها دون أي مقاصة أو حسم أو اقتطاع منهما بهدف رسم صورة واضحة وشفافة حول جميع الواردات الداخلة إلى صناديق الخزينة وجميع النفقات الخارجة منها،

لذا يقتضي إبطال المادة 13 من القانون المطعون فيه لمخالفته المادة 83 من الدستور اللبناني لجهة احترام وحدة وشمول الموازنة ووجوب احترام القواعد والمبادئ التي نص عليها الدستور في وضع الموازنات.

 

أولاً- لجهة وجوب احترام الأصول الدستورية واعداد قطع الحساب والمصادقة عليه قبل المصادقة على الموازنة ونشرها (المادة 87 من الدستور)

 

بما أنّ المادة 87 من الدستور اللبناني تنص على ما حرفيته:"إن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات."

 

وبما أنّ الموازنة تمرّ بأربعة مراحل هي الإعداد والإقرار والتنفيذ ومراقبة التنفيذ،

وبما أنّ قطع الحساب هو المستند الذي تقيّد فيه الواردات التي تمّ تحصيلها فعلياً خلال سنة الموازنة المعنية والنفقات التي دفعت فعلياً فيها، وهو بالتالي يعبّر عن حقيقة تنفيذ مشروع الموازنة ونتائجه ويعكس مدى التزام الحكومة بخطة عملها للسنة المنصرمة،

فتكون أهمية قطع الحساب في نقطتين:

وقد أوضحت التجارب وعلى الأخص خلال الأزمات المالية أهمية اكتشاف مكامن الخطر في المالية العامة في وقت مبكر واتخاذ التدابير التصحيحية اللازمة في الوقت المناسب.

وبما أنّ البيانات الحسابية المالية هي عنصر أساسي من عناصر المعلومات وليست غاية بحد ذاتها ولا هي مجرّد أرقام تقدّر بصورة اعتباطية، إنّما غايتها تزويد الفرقاء المعنيين بالمعلومات والمعطيات التي تساعدهم في عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية المناسبة، لذلك فإنّه من المهمّ جداً إعداد الحسابات المالية وأن تظهر بصورة صادقة الوضع المالي للمؤسسات.

وكذلك يمكّن المجلس النيابي من القيام بوظيفته الرقابية في الشق المالي من خلال مراقبة الحكومة ومحاسبتها على سياستها وحسن أو سوء تنفيذها لما وعدت به في الموازنة.

 

" الرقابة البرلمانية هي الشكل الأساسي لمراقبة تنفيذ الموازنة ، والنتيجة المنطقية لجميع الرقابات الأخرى التي وجدت، مبدئياً من أجلها، فالغاية من الرقابات، بصورة عامة، هي التأكد من احترام الإجازة التي أعطاها البرلمان للحكومة في الجباية والإنفاق، ومن الطبيعي أن يتحقق البرلمان، في آخر الأمر، من أن السلطة التنفيذية قد تقيدت بمقرراته."

–الدكتور عدنان ضاهر، قطع الحساب والموازنة.

 

لذلك نصّ الدستور في مادته 87 على أن تجري مناقشة وإقرار الحسابات المالية للسنة المنصرمة في المجلس النيابي قبل إقرار موازنة السنة اللاحقة ونشرها.

كما نصّت  المادة 118 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن "يصدق المجلس أولاً على قانون قطع الحساب، ثم على موازنة النفقات ثم قانون الموازنة وفي النهاية على موازنة الواردات"

فيمرّ التصديق على الموازنة  إذن بالمراحل التالية:

 

وبما أنّه لم يتمّ انجاز الحسابات المالية لسنة 2016 وفق الأصول وتدقيقها من ديوان المحاسبة،

وبما أنّه لم يتمّ إرسال "قانونقطعحسابالموازنة لعام 2016"  وتقرير ديوان المحاسبة معبيانمطابقةالحساباتالعام إلى المجلس النيابي  قبلأولتشرينالثانيمنالسنةالتي تليسنةالموازنة كما نصّت عليه المادة 197 من قانون المحاسبة العمومية، للمصادقة عليه قبل اقرار موازنة 2018 ونشرها،

وبما أنّ المجلس النيابي قد صادق على موازنة 2018 دون إقرار الحسابات المالية لسنة 2016 وهذا يشكّل تخطياً لحدود صلاحيات مجلس النواب المنصوص عنها  في ما يتعلّق بالموازنات،

وبما أنّ عرض الحسابات المالية على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية هو شرط وقيد دستوري وقانوني ونظامي لإقرار موازنة الدولة ونشرها كما تقضي أحكام المادة 87 من الدستور والمادة 118 من النظام الداخلي لمجلس النواب،

لذا يقتضي إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته المبادئ الدستورية والقواعد المالية وأصول التشريع المنصوص عنها في المادة 87 من الدستور اللبناني لجهة المصادقة على قطع الحساب قبل المصادقة على الموازنة ونشرها.

 

ثانياً- لجهة وجوب احترام مبدأ فصل السلطاتوتوازنها وعدم جواز تعطيل عمل السلطات الدستورية(الفقرة ه من مقدمة الدستور)

 

بما أنّ الفقرة ه من مقدمة الدستور نصّت على ما حرفيته: "النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".

وبما أنّتحضير وتنفيذ ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة هو حجر الأساس في إدارة المال العام وهوأهم نشاط تقوم به الحكومة في أية سنة محدّدة. فالموازنة تمسّ حياة كل شخص تقريباً وهي أهم الأدوات والوسائل التي تقوم بتنفيذ المبادرات الخاصة بالسياسة العامة عبر تحديد من سيحصل على ماذا ومتى.

 

ولكل من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية حقوقاً ومسؤوليات معينة في عملية وضع الموازنة. إلاّ أنّ للسلطة التنفيذية الدور الرئيسي في وضع موازنة سنوية وتقديمها إلى السلطة التشريعية التي تتمتع بالحق في مراجعة خطة الإنفاق التي اقترحتها السلطة التنفيذية، ومناقشتها وتعديلها في بعض الحالات والمصادقة عليها أو رفضها. لذلك، فإنّ المراقبة أو الإشراف البرلماني المستمر والخاص بتعامل السلطة التنفيذية مع موارد الدولة، أمر واجب وهام وضمانة لعدم هيمنة السلطة التنفيذية واستقرار الديمقراطية.

لذلك فإنّ إنجاح السياسة المالية يستدعي تكاتف السلطات الثلاث وتوازنها. فالسلطة التنفيذية تحضّر وتنفّذ النفقات المقررة في الموازنة بعد أن تحصل على موافقة السلطة التشريعية (المجلس النيابي). وتتشاطر هاتان السلطتان مع السلطة القضائية (وبالأخص ديوان المحاسبة) مراقبة التنفيذ.

تبدأ عملية الرقابة بوزارة المالية ويقوم التفتيش المالي بالحؤول دون مخالفة القوانين والأنظمة المالية. ومن ثم يأتي دور الرقابة القضائية التي يتولاها ديوان المحاسبة وهي رقابة مؤخرة إجمالاً حيث يقوم بالتدقيق في الحسابات الإدارية للوزارات. ويتم إعداد تقرير سنوي عام يتضمّن الأخطاء والمخالفات والاقتراحات التي يرتئيها الديوان. يُنشر هذا التقرير ويصبح في متناول الرأي العام ومجلس النواب ورئاسة الدولة. ويرفق هذا التقرير بقطع الحساب الذي يلحظ الفروقات بين الموازنة كما تمّ إقرارها والموازنة كما تمّ تنفيذها، والذي يصوّت عليه مجلس النواب شكلياً سنة بعد سنة بعد انتهاء السنة المالية.

وبالتالي فإنّ الحسابات المالية النهائية أو ما يعرف بـ "قطع الحساب" هي أداة هامة بالنسبة لديوان المحاسبة من جهة لإجراء التدقيق المؤخر وبالتالي المحاسبة على الأداء وعلى حسن تنفيذ الموازنة، وللسلطة التشريعية من جهة أخرى لتمكّنها من المشاركة في المراقبة والإشراف على استخدام السلطة التنفيذية للأموال المخصصة، وتأمينتوازن النفوذ النسبي في عملية الموازنة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.

"إناخطرمايعرضعلىالبرلمانمنضمنالمسائلالخطيرة الحسابالختاميالذييناقشهالأعضاءأحياناًفيجلسةواحدةوهملايدرونأنه أهموأهممايعرضعليهم،فماقيمةمناقشةبرنامجالحكومةوالخطةوالموازنةمالم يأتالحسابالختاميلكييعكسقيمةكلالأداءوتنفيذكلماطلبهنوابالشعب، وبالتاليفإنالاختصاصالماليللمجلسالذييعكسالاختصاصالسياسي والتشريعيوالرقابييعدأخطرمايعرضعليهتشريعياًورقابياًوسياسياًبطبيعة الحال."

–د.عدنان ضاهر، قطع الحساب والموازنة

وبناءً عليه فإنّ الرقابة البرلمانية تأتي من خلال إقرار أو رفض إقرار قطع الحساب. وبالتالي فإنّ عدم حصول المجلس النيابي على قطع الحساب يؤدي إلى عرقلة قدرته على لعب دور فعّال ومؤثر في عملية وضع الموازنة وأداء الواجبات والأعمال المتعلقة بالإشراف والرقابة، ويحوّل دوره إلى مجرد عملية بصم على سياسة الحكومة.

وغياب الشفافية- من خلال غياب قطع الحساب- والمساءلة -من خلال الرقابة الصارمة، يدفع الحكومة إلى الاستمرار في صرف الأموال مقتنعة بأنه سيكون هناك جهة مانحة -غالباً أجنبية- ستتدخل في اللحظة المناسبة لإنقاذ السياسة المالية من الإفلاس، وهذا ما قد يفسّر أيضاً الفروقات الشاسعة بين الموازنة المقدّرة والموازنة المنفّذة.

الهدف الأهم من مراقبة ومساءلة ومحاسبة الحكومة على مصداقيتها وقدرتها على تنفيذ ما وعدت به أمام المجلس النيابي والرأي العام، ليس معاقبة المسؤولين بقدر ما هو إصلاح وترشيد إدارة المالية العامة ومعالجة الاختلالات وحل مشكلة الهدر فيها لخفض العجز.

وبما أنّ اقرار الموازنة دون قطع الحساب الذي يشكّل صكاً أساسياً في عملية المحاسبة لا يخالف الدستور فحسب، بل يعطّل أيضاً دور وصلاحيات ومسؤوليات مجلس النواب وديوان المحاسبة المنصوص عنها في الدستور،

وبما أنّ من شأن اقرار الموازنة دون قطع الحساب تعطيل الرقابة المالية الممنوحة بموجب الدستور للسلطتين التشريعية والقضائية ومنع محاسبة الحكومة على كيفية تنفيذها الموازنة العامة وتحميل أصحاب القرار مسؤولية ممارسة السلطة المناطة بهم وتبرير استعمال الموارد وأي سوء استعمال لها،

وبما أنّ من شأن هذا العمل وتأمين الغطاء الشرعي له من خلال إقرار موازنة 2018 دون المصادقة على قطع حساب 2016، أن يعطّل قدرة السلطة التشريعية على المراقبة. فتكون السلطة التشريعية بذلك تؤدّي واجباتها المالية الدستورية جزئياً فقط عندما تصادق على الموازنة السنوية وتُحرم من القيام بالجزء الآخر الذي هو رئيسي وأساسي وهو المراقبة المستمرة والدقيقة على تنفيذ السلطة التنفيذية للموازنة لضمان أن يتم صرف الأموال العامة كما هو محدّد في الموازنة وإحداث إجراء للتصحيح إذا لم تكن الحالة كذلك.

ولا يمكن للسلطة التشريعية  التخلي عن جزء من صلاحياتها ومسؤولياتها المنصوص عنها في الدستور انطلاقاً من مبدأ سمو الدستور،

 

وقد ظهرت نتائج ضعف وغياب الرقابة والمحاسبة على مدى السنين الماضية من تراكم للعجز وتزايد الانفاق من خارج الموازنة ووصول نسبة المديونية إلى مستويات مرتفعة وفقدان الثقة بالإدارات وبالاقتصاد الوطني والمالية العامة، والاعتماد على الهبات الخارجية والضرائب غير المباشرة لتمويل النفقات،وتشجيع المخالفات في تنفيذ الموازنة والنفقات، وانعكاس ذلك سلباً على الاستقرار النقدي، وعلى معدلات الفائدة وعلى كلفة خدمة الدين العام.

وبما أنّ من شأن تشريع إقرار موازنة 2018 دون المصادقة على قطع حساب 2016 أن يعرضّ مبدأ فصل السلطات وتوازنها والنظام البرلماني الديمقراطي لخطر جدّي ويعرّض الاستقرار الدستوري والقانوني والمالي لخطر خاصةً في ظل هكذا وضع اقتصادي ومالي سيء، وتدنٍّ في الأداء الحكومي، وتزايد في كلفة الخدمات العامة والانفاق السياسي غير المجدي وعدم التزام قوانين المحاسبة والمناقصات العمومية والانضباط المالي، وتدني رضا المواطنين وانخفاض مستوى الشفافية والمساءلة، وعجز وفشل في تأمين النمو الاقتصادي والاجتماعي،

لذا يقتضي إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته المبادئ الدستورية المنصوص عنها في الفقرة ه من مقدمة الدستورمن الدستور اللبناني لجهة احترام مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها ولجهة عدم جواز تعطيل عمل السلطات الدستورية وبشكل خاص الرقابة المالية لكل من السلطة التشريعية والقضائية.


 

بما أنّ المادة 81 من الدستور اللبناني تنص على ما حرفيته: "تفرض الضرائب العمومية ولا يجوز إحداث ضريبة ما وجبايتها في الجمهورية اللبنانية إلا بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء".

 

وبما أنّ المادة 82 من الدستور اللبناني تنص على ما يلي:"لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلا بقانون."

وبما أن المواد 26 و29 و 30 و32 و 34 و 36 و 37 من قانون الموازنة المطعون فيهقد عدّلت أو ألغت ضرائب عدة ضمن مواد في قانون الموازنة لا بموجب قانون متسقل كما هو منصوص عنه في المادتين 81 و 82 من الدستور،

وبما أنّه سبق للمجلس الدستوري في قراره رقم 1/2002 تاريخ 31/1/2002 أن أشار إلى أنّ "الدستور قد اعتبر، في طائفة من مواده، أنّ مواضيع مختلفة هي محجوزة للقانون ولا يجوز للمشرّع التفويض بشأنها، وذلك لأهمية هذه المواضيع ولحرص المشرّع الدستوري على الضمانات التي يوفرها القانون إن لجهة الثبات والقوة أو لجهة التعبير عن إرادة الشعب مصدر اللطات أو لجهة الحفاظ على المال العام،
وبما أنّ من بين هذه المواضيع التي يعتبرها الدستور صراحةً في حمى القانون ويحفظها حصراً له، فرض الضرائب (المادتان 81 و82) وسواها من المواضيع التي عددها الدستور في بعض مواده وجعلها حكراً على القانون

تأسيساً على ذلك، يستفاد من صراحة نص المواد 81 و82  أنّ الدستور أناط  مجلس النواب دون سواه من السلطات اختصاص فرض الضرائب العمومية وإحداثها وتعديلها وجبايتها وإلغائها وكذلك إجازة عقد قرض عمومي أو تعهد يترتب عليه إنفاق من مال الخزانة بموجب قانون يصدر عنه. وبالتالي هو لا يستطيع التخلي عن هذه الاختصاصات تحت طائلة مخالفة الدستور.

لذا، يقتضي إبطال المواد 26 و29 و 30 و32 و 34 و 36 و 37 من قانون المطعون فيه لمخالفته المادتين 81 و 82 من الدستورلجهة عدم جواز انتزاع صلاحية دستورية للمجلس النيابي  ضمن قانون الموازنة.


 

 

بما أنّ المادة 49 من قانون الموازنة لعام 2018 قد نصّت على "منح كل عربي أو أجنبي شتري وحدة سكنية في لبنان، إقامة طيلة مدة ملكيته، له ولزوجته وأولاده القاصرين في لبنان، على أن لا تقل قيمة تلك الوحدة السكنية عن:

 

وبما أنّ المادة 49  المذكورة تتضمّن أحكاماًيتعدّى تطبيقها ومفعول عملها مدّة السنة، يقتضي بالتالي إبطالها كونها مخالفة صارخة للمادة 83 من الدستور اللبناني لجهة مبدأ سنوية الموازنة،

وبما أنّ المادة 49  المذكورة تتضمّن أحكاماً  تتعلّق بمنح الإقامة للعرب والأجانب مقابل تملّك شقة في لبنان وهي أحكام لا علاقة مباشرة لها بتنفيذ الموازنة وتعتبر من فرسان الموازنة، يقتضي إبطالها كونها مخالفة  للمادة 83 من الدستور اللبناني لهذه الجهة أيضاً،

وبما أنّ الفقرة "ط" من مقدمة الدستور تنصّ على ما يلي: " أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين

وبما أنّ منح إقامة مرتبطة بمدّة الملكية، في ظل وضع ديمغرافي استثنائي يتمثّل بوجود أكثر منمليون ونصف لاجئ سوري مسجّل في لبنان، عدا المهاجرين الاقتصاديين غير المسجلين، يفتح الباب واسعاً أمام إعطاء إقامات بأعداد هائلة لها طابع الديمومة كونها غير محدودة بتاريخ محدّد أو بوضع قانوني معيّن (كالعمل أو النزوح أو غيره) بل مرتبطة بالملكية العقارية،

وعليه فإنّ تشريع الإقامة وديمومتها وتملّك شقة في لبنان إضافةّإلى كل الحقوق الأخرى التي يتمتّع بها السوريون في لبنان بموجب الاتفاقيات اللبنانية السورية من تعليم وطبابة واستشفاء وعمل وتنقل وغيره، هو مخالف لمصلحة لبنان العليا التي هي مبدأذو قيمة دستورية، ومخالف للفقرة "طـ" من مقدمة الدستور،

أضف إلى ذلك، وبما أنّ هذا التشريع جاء بالتزامن مع تخطّي تملّك الأجانب في لبنان للسقف المحدّد له قانوناً في كافة المناطق اللبنانية  إذ تشير المراسيم المتعلقة بالتملّك إلى أنّ نسبة الـ10 في المئة في بيروت التي يسمح بها القانون وصلت الى حدود الـ22 في المئة، اما نسبة الـ3 في المئة خارج بيروت فهي قاربت ال 6 في المئة، 

وبما أنّ عدم تقييد اكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية في لبنان، لا بل التشجيع على ذلك وإعطائهم تحفيزات ليتملّكوا في لبنان من خلال منحهم إقامة طيلة ملكيتهم لهم ولزوجتهم وأولادهم يؤدّي إلى مخالفة الشروط المنصوص عنها في قانون اكتساب غير اللبنانيين للحقوق العينية العقارية في لبنان التي وضعت حدوداً ضيّقة جداً ومتشدّدة لتملّك الأجانب لا تحفيزات وتوزيع إقامات كجوائز، وستصبّ بالتالي في عكس الهدف والمصلحة  العليا الأخرى المرتجاة في الفقرة "طـ" من مقدمة الدستور ألا وهي الحفاظ على أرض لبنان للبنانيين،

وبما أنّ نص المادة 49 يشوبه الغموض حيث أنّه لا يفيد بوضوح إذا ما كان الحصول على إقامة يشترط تملّك 2400 سهم من الوحدة السكنية أو يكفي تملّك بضعة أسهم للحصول على الإقامة، ولا يفيد أيضاً إذا كان عدّة أشخاص شركاء في ملكية الوحدة السكنية هل يحصلون كلّهم وعائلاتهم على الاقامة أم صاحب الحصة الأكبر، كما لا تنصّ المادة 49 على آلية واضحة وصريحةلكيفية تتبّع السلطات المختصة لاستمرار الملكية علماً أنّ جهاز الأمن العام المولج منح الإقامات غير مرتبط بالدوائر العقارية، وبالتالي إنّ هذه المادة مخالفة للدستور بسبب افتقارها للوضوح،

لذا، يقتضي إبطال المادة 49 من قانون المطعون فيه لمخالفتها أحكام الفقرة "ط" من مقدمة الدستور اللبناني لجهة وجوب الحفاظ على مصلحة لبنان واللبنانيين العليا،ومخالفتها أحكام المادة 83 من لجهة سنوية الموازنة ووجوب عدم تضمينها مواداً لا تتعلق مباشرة بتنفيذها وللغموض وافتقارها للوضوح.

 

 

 

لكل هذه الاسباب،

يطلب النواب المستدعون من مجلسكم الكريم:

أولاً: قبول المراجعة الراهنة في الشكل لاستيفائها جميع الشروط الشكلية المفروضة قانوناً.


ثانياً: تقرير وقف العمل بالقانون المطعون بدستوريته في المراجعة الراهنة ريثما يصار إلى بتها في الأساس.


ثالثاً: إبطال القانون رقم 79 الصادر بتاريخ 18 نيسان 2018 والمنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد رقم 18 تاريخ 19/4/2018، جزئياً أو كلياً.

 

رابعاً: إبلاغ أي قراريصدر عن مجلسكم الكريم في المراجعة الراهنة من المراجع الرسمية المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 81- 134، تاريخ 31/12/1981.

[2]قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 84-184، تاريخ 29/12/1984.

[3]قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 90-285، تاريخ 28/12/1990.

[4]قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 93-320، تاريخ 21/6/1993.

[5]قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 2003-488، تاريخ 29/12/2003.

[6]قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 2008-574، تاريخ 29/12/2008.

[7]قرار المجلس الدستوري الفرنسي، رقم 2009-599، تاريخ 29/12/2009.

تواصل معنا