الطعن في ملف الكهرباء

 

حضرة رئيس المجلس الدستوري المحترم


مراجعة طعن في دستورية قانون

مع طلب وقف تنفيذ

 

مستدعو الطعن: النواب

         جهاد الصمد

القانون المطعون بدستوريته:

القانون المعجل رقم 129 الصادر  بتاريخ 30 نيسان 2019 والمنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد رقم 23 تاريخ 30/4/2019، والذي ينص على إعادة العمل بأحكام القانون رقم 288/2014 (إضافة فقرة إلى المادة السابعة من القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002- تنظيم قطاع الكهرباء) الممدد بالقانون المعجل رقم 54 تاريخ 24/11/2015، ووضع آلية خاصة بتلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والانتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية

(مرفق ربطًا القانون رقم 129 الصادر  بتاريخ 30 نيسان 2019- مستند رقم  1)

يتشرف المستدعون بالتقدم من المجلس الدستوري بمراجعة الطعن هذه بدستورية القانون رقم 129  الصادر  بتاريخ 30 نيسان 2019  والمنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد رقم 23 تاريخ 30/4/2019، وذلك وفقًا للاختصاص المحفوظ للمجلس الدستوري في المادة 19 من الدستور، وقد راعى مستدعو الطعن المواد 18 و19 من القانون الرقم 250/1993 وتعديلاته (إنشاء المجلس الدستوري)  و30 الى 33 ضمنًا من القانون الرقم 243/2000 وتعديلاته (النظام الداخلي للمجلس الدستوري)، طالبين قبول هذه المراجعة في الشكل والأساس وتعليق مفعول النص موضوع المراجعة ونشر قرار التعليق في الجريدة الرسمية عملًا بالمادتين 20 من قانون إنشاء المجلس الدستوري و34 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري المشار إليهما أعلاه، وذلك للأسباب التالية:

أولًا-        في الشكل:


بما أن مراجعة الطعن هذه مقدمة بتاريخ 9/ 5/2019 أي ضمن مهلة الخمسة عشر يومًا التي تلت نشر القانون في الجريدة الرسمية، وفقًا لما نصّت عليه المادة 19 من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمادتين 31 و32 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري،

وبما أنّ مراجعة الطعن مستوفية سائر الشروط الشكلية، لا سيّما لجهة تقديمها إلى رئاسة المجلس الدستوري مذيّلة بتوقيع عشرة نواب شخصيًا،


لذا، يطلب مستدعو الطعن من مجلسكم الكريم قبول هذه المراجعة شكلًا.

 

ثانيًا-       في الأساس:

في تعليق مفعول القانون المطعون فيه جزئيًا أو كليًا:

 

بما أن القانون المطعون فيه والمشار إليه في مقدمة الطعن ينصّ على إعادة العمل بأحكام القانون رقم 288/2014 (إضافة فقرة إلى المادة السابعة من القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002- تنظيم قطاع الكهرباء) الممدد بالقانون المعجل رقم 54 تاريخ 24/11/2015، ووضع آلية خاصة بتلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والانتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية،

 

وبما أنّ العمل الفوري بأحكام هذا القانون يعرّض إجراءات المناقصات في قطاع الكهرباء لضرر في حال تمّ السير بها وفق ما هو محدّد في القانون المطعون فيه ثمّ قرّر المجلس الدستوري إبطال هذا القانون، وخصوصًا لجهة التفلّت من تطبيق الأحكام الدستورية والقوانين المرعية الإجراء،

 

لذا، يطلب مستدعو الطعن من مجلسكم الكريم اتخاذ القرار فورًا بوقف تنفيذ مفعول القانون المطعون فيه جزئيًا أو كليًا إلى حين البت بمراجعة الطعن في الأساس عملًا بأحكام المادة 34 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، منعًا للوقوع في حالة اللاستقرار القانوني التي تؤثّر بشكل سلبي على مجريات مناقصات الكهرباء وعلى الانتظام القانوني والمالي للدولة.

 

 

بما أنّ المادة 36 من الدستور نصّت صراحةً على كيفية التصويت في مجلس النواب وجاء فيها ما يلي:

 

"تعطى الآراء بالتصويت الشفوي أو بطريقة القيام والجلوس إلا في الحالة التي يراد فيها الإنتخاب فتعطى الآراء بطريقة الاقتراع السري. أما في ما يختص بالقوانين عمومًا أو بالاقتراع على مسألة الثقة فإن الآراء تعطى دائمًا بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عال".

 

وبما أنّه خلال الجلسة التشريعية التي انعقدت بتاريخ 17 نيسان 2019، وبعد مناقشة مواد القانون رقم 129 الصادر بتاريخ 30 نيسان 2019 والمنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد رقم 23 تاريخ 30/4/2019، والتصويت عليها بندًا بندًا كما هو منصوص عليه في المادة 81 من النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني، عند ختام المناقشة، أي عند إلزامية التصويت بالمناداة على القانون بمجمله، لم يتمّ التصويت بالمناداة ولم يتمّ احتساب الأصوات بطريقة دستورية، على الرغم من اعتراض عددٍ من النواب على ذلك.

 

إن المادة 36 من الدستور اللبناني لم يتم تعديلها إطلاقًا منذ عام 1926 نظرًا إلى أهميتها وإرتباطها الوثيق بطبيعة نظام لبنان الدستوري، وهي تتضمن آليتين للتصويت في نهاية المناقشات داخل المجلس النيابي: الآلية الأولى، وهي التصويت بالإقتراع السري عند إجراء الإنتخابات، كإنتخاب رئيس الجمهورية، تشكيل مكتب المجلس، تأليف اللجان النيابية...

أما الآلية الثانية، فهي التصويت بطريقة بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم كلما تعلق الأمر بالتصويت على الثقة المنصوص عليها في المادتين 37 و68 من الدستور اللبناني أو على إقتراح قانون او مشروع قانون معيّن. إن الهدف الأسمى من هذه الآلية الأخيرة هو وضع الناخبين في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية على بينة بما يتخذه ممثلوهم من مواقف سياسية داخل الندوة البرلمانية تسهيلًا لمحاسبة النواب المنتخبين عند حلول الدورة الإنتخابية اللاحقة ولتحديد خياراتهم. واكثر من ذلك، لقد تم تكريس هذا المبدأ في متن النظام الداخلي لمجلس النواب لا سيما في المواد 78 إلى 85 منه بما أن المراقبة والمحاسبة تقتضيان الشفافية في أعمال السلطة الاشتراعية عند إقرار القوانين،

 

تأسيسًا على ذلك، استقر الفقه الدستوري اللبناني على التقيد بهذه القاعدة في التصويت على القوانين:

" Deux modes de vote y sont prévus, le vote public et le vote secret. Le premier est émis à haute voix ou par assis et levé ou par appel nominal et à haute voix, ce dernier procédé étant obligatoire quand il s'agit d'émettre un vote sur un projet ou une proposition de loi, ou sur la question de confiance, prévue aux articles 37 et 68 de la constitution libanaise. Le but est manifestement d'éclairer le peuple ou, mieux, le corps électoral, juge en dernier ressort, sur la politique et le comportement de ses représentants. L'autre mode de scrutin s'effectue par vote secret, il est exigé en matière d'élections, pour le choix du président, la composition du bureau de la chambre et la formation de ses commissions. Garantie d'indépendance que la constitution a voulu assurer aux députés. Ces deux modes de votation ont fait l'objet d'une explication qu'énoncent en détail les articles 78 à 85 du Règlement intérieur."

(Edmond Rabbath, La constitution libanaise, origines, textes et commentaires, publications de l'Université libanaise, section des études juridiques, politiques et administratives, Beyrouth 1982 pp 250-253).

 

وقد أكّد مجلسكم الكريم في القرار رقم 5/2017 تاريخ 22 /9/ 2017 على أن القاعدة التي نصت عليها المادة 36 هي جوهرية وليست شكلية ولا تقبل الاستثناء لورود تعبير دائمًا في النص الدستوري الواردة فيه

"وبما أن التصويت العلني وبالمناداة بصوتٍ عالٍ ليس قاعدة شكلية بل شرط ضروري للمراقبة والمحاسبة في الانظمة الديمقراطية البرلمانية،

وبما أنه لم يتبين من محضر الجلسة، التي أقر فيها القانون، أن الاصول الدستورية، المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور، قد روعيت في التصويت على القانون المطعون فيه،

لذلك فإن الطريقة التي اعتمدت في اقرار القانون جاءت مخالفة للدستور ويقتضي بالتالي إبطاله"

(المجلس الدستوري اللبناني، القرار رقم 5/2017 تاريخ 22 /9/2017)

 

وبما أنه من الثابت والأكيد من وقائع الملف الحاضر بأنّ القانون المطعون فيه لم يتمّ التصويت عليه بالمناداة كما يفرضه الدستور ، لذلك يجب إبطال كامل عملية التصويت واعتبار القانون كأنّه لم يكن.

 

لذا، يقتضي إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته أحكام المادة 36 من الدستور اللبناني.

وبما أنّ المادة 89 من الدستور تنصّ صراحةً على وجوب استصدار قانون لأي التزام أو امتياز وإلى زمن محدود :

 

"لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون والى زمن محدود".

 

وبما أنّ القانون المطعون فيه  لم يقرّ منح أي التزام أو امتياز في قطاع الطاقة وإلى زمن محدود ، بل نصّ على  إعطاء حق منح عقود BOT إلى مجلس الوزراء على أن يتم التسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية معيّنة،

 

فيكون بذلك قد خالف القاعدة الدستورية الملزمة لإجراء كهذا والمنصوص عليها في المادة 89 من الدستور بوجوب استصدار قانون وبوجوب تحديد المدة الزمنية،

وخالفها أيضًا عندما نقل اختصاص منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية المحجوز دستورًا للسلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية.

وبما أنّه سبق للمجلس الدستوري في قراره رقم 1/2002 تاريخ 31/1/2002 أن أشار إلى أنّ

 "الدستور قد اعتبر، في طائفة من مواده، أنّ مواضيع مختلفة هي محجوزة للقانون ولا يجوز للمشرّع التفويض بشأنها، وذلك لأهمية هذه المواضيع ولحرص المشرّع الدستوري على الضمانات التي يوفرها القانون إن لجهة الثبات والقوة أو لجهة التعبير عن إرادة الشعب مصدر السلطات أو لجهة الحفاظ على المال العام"

(المجلس الدستوري اللبناني، قرار رقم 1/2002 تاريخ 31/1/ 2002)

وبما أنّ من بين هذه المواضيع التي يعتبرها الدستور صراحةً في حمى القانون ويحفظها حصرًا له، منح التزام أو امتياز أو احتكار (المادة 89) وسواها من المواضيع التي عددها الدستور في بعض مواده وجعلها حكرًا على القانون، يستفاد من ذلك أنّ الدستور أناط بمجلس النواب من دون سواه من السلطات صلاحية منح التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة، وتحديد المدة الزمنية لهذا الالتزام أو الامتياز.

 

ولمّا كانت المادة الثانية من القانون المطعون فيه قد نصّت  في فقرتها الأولى على ما يلي:

 

"أ- تلزّم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية، بشروط تحدّد بتفاصيلها الإدارية والتقنية والمالية الكاملة في دفتر شروط خاص تعدّه وزارة الطاقة والمياه".

 

ولمّا كان المجلس الدستوري اللبناني قد اكّد في قراره رقم 2/2002 تاريخ 3/7/2002 أنّ قانون المنح هو الذي يجب أن يحدّد المبادئ والقواعد الأساسية لهذا المنح، لا دفتر الشروط الذي هو معاملة إدارية توضع وفقًا للقواعد المنصوص عليها في القانون المعني وإنفاذًا لمضمونه

"وبما أن معاملة إعداد دفتر الشروط وفقًا للقواعد الأساسية التي يحدّدها قانون منح الامتياز أو الالتزام والمصادقة على هذا الدفتر من مجلس الوزراء هما من الإجراءات الممهدة للمزايدة والمناقصة انفاذًا لمنح الامتياز أو الالتزام ولا يدخلان بالتالي في نطاق المبادئ والقواعد الأساسية التشريعية لهذا المنح."

(المجلس الدستوري اللبناني، القرار  رقم 2/2002 تاريخ 3/7/2002)

  

بالتالي فإنّ هذا الإجراء الممهّد للمناقصة، والذي يجب أن يكون إنفاذًا لمنح الامتياز أو الالتزام، لا يمكنه الحلول مقام المبادئ والقواعد الأساسية التي يجب أن يحدّدها قانون منح الامتياز أو الالتزام وغير الموجودة في حالتنا الحاضرة،

ويكون النصّ على خلافه في القانون المطعون فيه مخالفًا أيضًا لمبدأ دستوري جوهري قائم على احترام هرمية القواعد القانونية وتدرّجها (la hiérarchie des normes)، إذ لا يمكن لإجراء إداري أقل سموًا من الدستور والقانون أن يحلّ محل نص قانوني أو يسمو عليه.

وبما أنّ  المادة الثانية من القانون المطعون فيه قد أجازت للحكومة إجراء المناقصات وفض العروض وتوقيع العقود اللازمة،

 

ولمّا كان من المفروض دستورًا أن تأتي هذه الإجراءات والقرارات انفاذًا لمضمون قانون منح الامتياز أو الالتزام، أي ضمن ضوابط محدّدة،

 

ولمّا كانت إجراءات المناقصة والعقود المنصوص عنها في المادة الثانية من القانون المطعون فيه غير مرتبطة بأي قانون منح امتياز أو التزام، بل قائمة بحدّ ذاتها،

 

ولمّا كان هذا الأمر باطلًا في ظل نصّ المادة 89 من الدستور صراحةً على خلاف ذلك، وفي ظل تأكيد المجلس الدستوري اللبناني في قراره رقم 2/2002 تاريخ 3/7/2002، على وظيفة هذه العمليات وموقعها ضمن المنظومة الدستورية والقانونية كإجراءات تطبيقية لقانون قائم:

"وبما أنّ عمليات فض عروض المزايدة والمناقصة وإرساء المشاريع وتوقيع العقود اللازمة واجراء عمليات التسلم والتسليم المنصوص عليها في المادة 3 من القانون المطعون فيه هي من المعاملات والقرارات الإجرائية لتطبيق القانون المذكور انفاذًا لمضمونه".

(المجلس الدستوري اللبناني، القرار رقم 2/2002 تاريخ 3/7/2002)

فيكون القانون المطعون فيه، والحال ما تقدم، لم يقرّ منح الامتياز والالتزام إلى زمن محدود ولم يحدّد القواعد الأساسية لهذه العملية التي تضمن تأمين المنافسة من أجل خدمة أفضل وكلفة أقل، وحماية المال العام وحماية حقوق المستهلكين،  ولا المبادئ والأحكام والشروط المالية التي لا يجوز أن تتعارض معها البنود الفنية والتقنية والمالية المضمّنة في دفتر الشروط.

 

لذا، يقتضي إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته أحكام المادة 89 من الدستور اللبناني والمبادئ العامة ذات القيمة الدستورية.

 

بما أنّ الفقرة "هــ" من مقدمة  الدستور تنصّ  على ما يلي:

 

"هــ ـ النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".

 

وبما أنّ مقدمة الدستور تعتبر جزءًا لا يتجزّأ من الدستور ولها قيمة دستورية موازية لأحكام الدستور،

 

وبما أنّ المادة 16 من الدستور قد نصّت على ما يلي:

"تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب".

 

وبما أنّ المادة 17 من الدستور قد نصّت على ما يلي:

"تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. وهو يتولاّها وفق أحكام الدستور".

 

وبما أنّ المادة 65 من الدستور قد نصّت على ما يلي:

"تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة، ومن الصلاحيات التي يمارسها:

--

فيتبيّن ممّا تقدم أنّ الدستور أناط بالمشترع صلاحية وضع القواعد التي توفر الضمانات الأساسية للحقوق وللحريات التي ينصّ عليها، وحصر السلطة الاشتراعية بمجلس النواب وحده، وأناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء وما يستتبعها من سلطة تنظيمية لتطبيق القوانين التي يسنّها المشترع، ونصّ على مبدأ الفصل بين السلطات،

وبما أنّ مبدأ الفصل بين السلطات يقضي بأن تمارس كل سلطة صلاحياتها في الميدان الذي أوكله اليها الدستور، بحيث لا تتجاوز سلطة على صلاحيات سلطة أخرى، وبحيث تلتزم كل سلطة حدود اختصاصها الذي حدده الدستور،

وبما أنّ منح امتياز أو التزام في قطاع الطاقة يتمّ بقانون تضعه السلطة الاشتراعية، وتتولّى السلطة الإجرائية وضعه موضع التنفيذ عبر وضع دفتر الشروط وإجراء عمليات المناقصة وفض العروض،

وبما انّه يحقّ للسلطة الاشتراعية تعديل قانون سبق وأقرّته، شرط عدم مخالفة الدستور والمبادئ ذات القيمة الدستورية،

وقد أكّد المجلس الدستوري هذا في قراره رقم 1/2000 تاريخ 1/2/2000

" وبما أنه يعود للمشترع، بمقتضى صلاحياته الدستورية، أن يلغي قانونًا نافذًا أو أن يعدّل أحكام هذا القانون دون أن يشكّل ذلك مخالفة لأحكام الدستور، أو يقع هذا الأمر تحت رقابة المجلس الدستوري، طالما أنّ هذا الالغاء أو التعديل لم يمس قاعدة دستورية أساسية أو حقًا من الحقوق الدستورية الأساسية أو مبدأ من المبادئ ذات القيمة الدستورية."

(المجلس الدستوري اللبناني، قرار  رقم 1/2000 تاريخ 1/2/2000)

 

وبما أنّ المشرّع اللبناني بإقراره القانون المطعون فيه، وبشكل خاص في المادة الثانية منه، علّق العمل بطريقة مواربة بقوانين المحاسبة العمومية وسائر النصوص المرتبطة بالتلزيم وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مناقصات عقود شراء الطاقة بذريعة أنّها "لا تتّفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها"، من دون أن يستبدلها بنصّ قانوني آخر، فيكون بالتالي قد خلق فراغًا تشريعيًا  (vide juridique) ووضع هذه المناقصات خارج أي إطار قانوني ودستوري، وتخلّى بذلك عن اختصاصه الدستوري بالتشريع ووضع القواعد العامة الناظمة لأوضاع المواطنين وحقوقهم خلافًا لنصّ المادة 16 من الدستور.

 أضف إلى ذلك أنّ المشرّع قد تجاوز واجباته التشريعية وسمح عبر القانون المطعون فيه للسلطة الإجرائية بعدم الالتزام بأي منظومة دستورية وقانونية ترعى عمليات المناقصات في قطاع الطاقة، وهذا أمر غير دستوري أذ إنّه وإن كان الدستور قد أناط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء، إلّا أنّ ممارسة هذه السلطة والصلاحيات الإجرائية المرتبطة بها  وحدودها مقيدة بالأحكام الدستورية والقانونية.

والأخطر من ذلك، وفي ظل الفراغ التشريعي الذي أحدثه، فإنّ القانون المطعون فيه أحلّ السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية في ممارسة اختصاصها بإصدار قواعد ملزمة لها صفة التشريع خلافًا لأحكام الدستور لجهة الاختصاص، وخلافًا لأحكام المادة 89 من الدستور لجهة منح امتياز أو التزام باستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية ومصلحة ذات منفعة عامة بموجب قانون،

ولا يجوز للمجلس النيابي التنازل عن صلاحيته وإيلائها بطريقة مواربة للحكومة أو لوزارة ما لأنّ ذلك لا يشكّل فقط خروجًا عن إطار مهمّات وصلاحيات السلطة التنفيذية والإجرائية التي تقتصر على اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق القوانين لا على سنّها، وخرقًا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يتمتّع بالقيمة الدستورية، وتجاوزًا لحدّ السلطة، بل يتعدّاه ليشكّل تعديلًا مستترًا للنظام الدستوري البرلماني الديمقراطي المطبّق في لبنان.

وبما أنّ القانون المطعون فيه، قد قام في مادتيه الأولى والثانية بشلّ عمل الأجهزة القضائية والهيئات الرقابية على أنواعها من هيئة ناظمة وإدارة المناقصات وديوان المحاسبة والرقابة البرلمانية وغيره، عبر الإجازة  للسلطة التنفيذية باتخاذ اجراءات مخالفة للقوانين المرعية الإجراء بموجب قرارات تتخذها وزارة الطاقة والمياه أو لجنة فنية معيّنة من قبلها،

وبما أنّ التوازن بين السلطات يحول دون قيام سلطة مطلقة تتحكّم بمقدرات الدولة وتمارس وظائفها اعتباطيًا، ويسمح للسلطات الأخرى بالتصدي لها في حال تجاوزت الصلاحيات المعطاة لها،

فإنّ مخالفة أو تخطي ذلك في حالتنا الراهنة يسلب السلطة التشريعية قدرتها الرقابية، ويحوّلها إلى أداة بيد السلطة التنفيذية توافق وتبصم بشكل آليّ على أعمال الحكومة. وقد ظهرت نتائج ضعف وغياب الرقابة والمحاسبة على مدى السنين الماضية من فقدان الثقة بالمؤسسات وبالاقتصاد الوطني والمالية العامة، وانعكاس ذلك سلبًا على الاستقرار في مختلف أنواعه.

إن قيام كل مؤسسة دستورية بالمهمّات المنوطة بها ضمن الصلاحيات المعطاة لها، وفي إطار القواعد والمبادئ التي نص عليها الدستور هو أساس النظام البرلماني ودولة القانون، وهذا يضمن اتخاذ القرارات الرشيدة المؤدية إلى تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على حقوق المواطن.

 

 وبالتالي فإنّ القانون المطعون فيه مخالف أيضًا لمبدأ توازن السلطات من ناحية تعطيله الصلاحيات الرقابية المنصوص عليها في الدستور.

لذا يقتضي إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته أحكام المواد 16 و17 و65 من الدستور لجهة عدم مراعاة اختصاص مجلس النواب ومجلس الوزراء، ومخالفته أحكام الفقرة "هـ" من مقدمة الدستور لجهة عدم احترام مبدأ الفصل بن السلطات وتوازنها وتعاونها.


 

 

بما أنّ المادة الثانية من القانون المطعون فيه لا توضح أصول اجراء المناقصات ولا المهل الزمنية لها، ولا تحدّد بشكل علمي الارتكازات التي يجب أن تتحكم بهذا المسار، كما أنّها لا تتضمّن تعريفاتٍ واضحة، فمشروع BOT  لم يعرف وينظم قانونًا ولا تكتمل عناصره إذا لم يتضمّن في صلبه آلية واضحة لكيفية بيع الطاقة للدولة عبر عقد شراء الطاقة (PPA) حتّى لا يكون الشاري مبهمًا، وهذا العقد الأخير (PPA) أيضًا ليس له تعريف قانوني،

وبالتالي فإنّ القانون المطعون فيه يتضمن الكثير من البنود الغامضة والقابلة للتأويل، والّتي ليس لها المرتكز أو التعريف القانوني الواضح، ولا توضح بتاتًا ماهية العلاقة والترابط بين الـBOT  والـ PPA ، ممّا سيشكل نوعًا من الارتباك والضبابية والاستنسابية عند تطبيق القانون المطعون فيه وعدم تأمين للشفافية والمساواة،

 

وبما أنّ المادة المذكورة تعفي هذه العقود من الإطار القانونيّ والتنظيميّ الراعي للمناقصات العامة بحجة أن أحكامها لا تتوافق مع طبيعة مشاريع الــ BOT  وعقود الــ PPA، ومن الإطار القانوني الناظم للشراكة بين القطاع العام والخاص،

 كما أنّ القانون 462/2002، المعدّل في المادة الأولى من القانون المطعون فيه يخلو من أي مواد ضابطة مشاريع الــ BOT  وعقود الــ PPA.  فالمادة 20 منه نصّت على أن أصول منح العقود تحدد بموجب مراسيم تنظيميّة تراعي مقومات الشفافيّة والتنافسيّة، فيما أن هذه المراسيم لم تصدر بعد.

وبما أنّ القانون المطعون فيه لم يتضمّن أي آلية واضحة خلافًا لما ورد في عنوانه، إذ إنّ الآلية التي تمّ الحديث عنها لم تدرج تفاصيلها في نصّ القانون بل وضعت في محضر الجلسة، ممّا يتعارض مع الاصول المعتمدة في نصّ القوانين.

وبما أنّ الآليات المشابهة حدّدت بطريقة واضحة ومفصّلة وشفّافة  في القوانين الأخرى التي ترعى مناقصات الدولة (المحاسبة العمومية و قانون تنظيم الشراكة بين القطاع العام والخاص)،

وبالتالي، فإنّ القانون المطعون فيه، خلافًا لما ورد في عنوانه، لا ينصّ حقيقةّ على أي آلية واضحة، بل يتركها للاعتباطية ولاستنسابية وزارة الطاقة والمياه واللجنة الفنية التي ستجري المناقصة.

 

العنوان:  "إعادة العمل بالقانون رقم 288/2014 تاريخ 20/4/2014 (إضافة فقرة إلى المادة السابعة من القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) الممدد بالعمل به بالقانون المعجل رقم 54 تاريخ 24/1/2015  ووضع آلية خاصة بتلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية".

وقد استقرّ اجتهاد المجلس الدستوريّ اللبنانيّ على اعتبار:

 

"أن الغموض في النص يفسح في المجال أمام تطبيقه بشكل استنسابي، وبطرق ملتوية، تسيء إلى العدالة والمساواة بين المواطنين أو تنحرف عن النية غير الواضحة أساسًا للمشترع ".

(المجلس الدستوريّ اللبنانيّ، القرار رقم 5/2017 تاريخ 22 /9/ 2017)

 

ولا يمكن التذرع في هذا الإطار بوضع هذه التفاصيل في دفتر الشروط، فهي من اختصاص القانون الذي هو أسمى من دفاتر الشروط، والحكومة ووزارة الطاقة والمياه لا تتمتّعان بصلاحية التشريع المحصورة دستوريًّا بمجلس النواب.

وبما أنّ عدم تقييد هذا التشريع الاستثنائي وعدم توضيحه يصبّان بالتالي في عكس الهدف المنشود والمصلحة العليا ويضربان مصالح الدولة الأساسية ويخالفان مبدأي الشفافية والمساواة بين المرشحين في أصول منح العقود العامة اللذين أقرهما المجلس الدستوريّ الفرنسيّ كمبدأين ذات قيمة دستوريّة.

وبما أنّ القانون المطعون فيه يشوبه الغموض حيث إنّه لا يفيد بوضوح ما هي القوانين والآلية التي ترعى هذه المناقصات، وبالتالي إنّ هذه المادة مخالفة للمبدأ الدستوري الذي ينص على ضرورة وضوح القانون، وبشكل خاص متى كان تشريعًا استثنائيًا.

 

لذا، يقتضي إبطال المطعون فيه لمخالفته أصول التشريع لجهة كيفيّة نصّ القوانين ولغموضه ولمخالفته المبدأ الدستوري الذي ينص على ضرورة وضوح القانون، وبشكل خاص متى كان تشريعًا استثنائيًا.

بما أنّ القانون المطعون به هو قانون استثنائي يرمي من جهة إلى تأجيل تعيين الهيئة الناظمة ويسمح بعدم تطبيق القوانين المرعية الإجراء.

 

وبما أن الاستثناء لا تبرره سوى المصلحة العامة،

 

وبما أنّه من خلال مراجعة تاريخية لنظرية الظروف الاستثنائية، يتبيّن أنّها وجدت بعد تعرّض الدول لأخطار مباشرة ومستجدّة وطارئة، بحيث تعطى الإدارة صلاحيات باتخاذ قرارات أوسع من التي تعود لها أصلًا وتخرج عن صلاحياتها في الأوضاع العادية، وذلك بهدف تأمين النظام العام والمحافظة على سير المرافق العامة ومؤسسات الدولة في أوقات الحروب والثورات والكوارث الطبيعية الكبيرة،

 

وبما أنّ الظروف الاستثنائية التي تبرّر صدور القوانين الاستثنائية والتي كرّسها الاجتهاد الدستوري الفرنسي غير متوافرة في الوضع الحالي في لبنان، وبالتالي لا يمكن التذرع بذلك لفرض أو تمديد القوانين الاستثنائية المتعارضة مع أحكام الدستور.

 

وبما أنّه وفقًا لما جاء في قرار المجلس الدستوري اللبناني رقم 1/97 تاريخ 12/9/1997، لا يجوز التوسّع في نظرية الظروف الاستثنائية، وبالتالي لا يجوز للمشرّع تحت ستار ظروف استثنائيّة مزعومة أن يخالف الدستور ويعطّل المبادئ الدستورية والقواعد التي لها قيمة دستورية،

 

وبما أنّ القانون المطعون فيه هو قانون استثنائي غير مبرّر، إذ لا مبرّر لعدم تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ولعدم تعيين هيئة ناظمة وإحلال مجلس الوزراء محلها والاستمرار بالنهج المتّبع منذ عام 2014 سوى رغبة وزراة الطاقة بالتمتّع بصلاحيات مطلقة لا ضوابط لها،

 

وبما أنّ الادعاء بأنّ الهيئة الناظمة  لم تشكّل لأنّ قانونها غير قابل للتنفيذ هو أمر لا يمت إلى الحقيقة بصلة، لأنه تم رفض تطبيق القانون بالمبدأ والاساس فقط لانه يقلّص من صلاحية الوزير المعني ويضع السلطة التنظيمية بيد هيئة مستقلّة،

 

والإدّعاء الآخر بأنّ الحكومة تشكّلت منذ بضعة أشهر وبالتالي لم تتمكّن من تشكيلها هو أيضًا باطل، إذ إنّ تعيين الهيئة يتطلّب جلسة واحدة لمجلس الوزراء لا أكثر، ولا يجوز لأحد التذرع بإهماله،

Nul ne peut se prévaloir de sa propre turpitude

 

وبما أنّه ليس هناك ظروف طارئة أو استثنائيّة تبرّر التمديد اللامتناهي لمفاعيل القانون 288 / 2014  الذي لم يطبّق يومًا ولم يستعمل سوى لتبرير الاستثناءات والآليات غير الواضحة ومخالفة القوانين، لا بل العكس تمامًا، فالدرك الذي وصلت إليه الدولة اللبنانية على صعيد الوضع الاقتصادي والمالي الخطر، معطوفًا على انعدام الاستقرار الدستوري والقانوني والمؤسساتي نتيجة عدم تطبيق القوانين وضعف أو غياب الرقابة والمحاسبة على مدى السنين الماضية، من تزايد للعجز والمديونية العامة وتدنٍّ في نوعية الخدمات العامة وانخفاض مستوى الشفافية والمساءلة، وعجز وفشل في تأمين النمو الاقتصادي والاجتماعي، يستدعي التشدّد في تطبيق القوانين لا مخالفتها أو تعليق العمل بها، وملء الشواغر في جميع الهيئات الرقابية.

 

لذا، يقتضي إبطال المطعون فيه لمخالفته مفهوم الاستثناء الذي يتطلب ما يبرّره.

 

 

إنّ احترام الأحكام الدستورية والقوانين التي يقرّها مجلس النواب والاجراءات التطبيقية ذات الصلة ضمانة للأمان القانوني والمالي والانتظام العام وضمانة للحقوق التي كفلها الدستور، وبذلك تكرّس سيادة القانون،

 

وبما أنّ مبدأ الأمان القانوني من المقومات الأساسية لدولة القانون،

 

وبما أن الإنتظام العام هو مبدأ دستوري نصّ عليه الدستور صراحةً في المادة التاسعة منه، فكفل حرية إقامة الشعائر الدينية شرط عدم الإخلال بالنظام العام، وفي المادة العاشرة منه التي ورد فيها أن التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام،


ويقضي هذا المبدأ بأن تحافظ السلطات العامة على قدر من الثبات للعلاقات القانونية والاستقرار التشريعي بحيث تبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين والمستثمرين وتضمن تأمين المنافسة من أجل خدمة أفضل وكلفة أقل، وحماية المال العام وحماية حقوق المستهلكين،

 

وبما أنّ القانون المطعون فيه يكرّس الانتهاكات المرتكبة من قبل الحكومات السابقة لجهة التمادي في عدم احترام الدستور وعدم تطبيق القوانين المرعية الإجراء، ويعطي "تغطيةً قانونية" لهذه الممارسة، مما يؤدي إلى تقويض حكم القانون وسيادته والأمان القانونيّ في لبنان،

 

لذا، يقتضي إبطال المطعون فيه لمخالفته مبدأ الأمان التشريعي sécurité juridique ومبدأ الثقة المشروعة اللازمة بالقوانين والانتظام العام ولانتهاكه سيادة القانون.

 

لكل هذه الاسباب،

يطلب النواب المستدعون من مجلسكم الكريم

أولًا: قبول المراجعة الراهنة في الشكل لاستيفائها جميع الشروط الشكلية المفروضة قانونًا.

ثانيًا: تقرير وقف العمل بالقانون المطعون بدستوريته في المراجعة الراهنة ريثما يصار إلى بتها في الأساس.

 

ثالثًا: إبطال القانون رقم 129 الصادر بتاريخ 30 نيسان 2019 والمنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد رقم 23 تاريخ 30/5/2019، جزئيًا أو كليًا.

 

رابعًا: إبلاغ أي قرار يصدر عن مجلسكم الكريم في المراجعة الراهنة من المراجع الرسمية المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.


 

تواصل معنا