تقديم دراسة تحليلية عن الأثر الاقتصادي لإقرار قانون زيادة الضرائب والرسوم إلى رئيس الجمهورية 2017

فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية

العماد ميشال عون المحترم

الموضوع: طلب ردّ قانون زيادة الضرائب والرسوم الذي أقرّه مجلس النواب اللبناني في جلسته التشريعية تاريخ 18-19 تموز 2017.

تحية طيبة وبعد،

بعد قراءة تصريحاتكم الأخيرة إثر إقرار المجلس النيابي لقانون زيادة الضرائب والرسوم في جلسته التشريعية تاريخ 18-19 تموز 2017، والتي عبّرتم فيها أمام مجلس الوزراء ووفد جمعية الإعلاميين الاقتصاديين في القصر الجمهوري عن موقفكم الرافض لإقرار الضرائب أو موارد تمويل السلسلة قبل الموازنة العامة وأنّه " كان يجب وضع دراسة لمعرفة تأثير هذه السلسلة على النمو الاقتصادي وعلى الانتاج وعلى وضع لبنان المالي، ولاسيما أن قيمة الدين العام بلغت 75 مليار دولار وقد ترتفع أكثر، بما سيؤثر بشكل كبير جدا على الوضع الاقتصادي".

إنّ لزيادة الضرائب والرسوم المنصوص عنها في القانون المذكور، والتي لم تستند لأي دراسة أثر اقتصادي واجتماعي كما أشرتم إليه، تداعيات سلبية كبيرة على معيشة الأسر اللبنانية وعلى الاقتصاد اللبناني.

وبدء سريان هذه التعديلات الضريبية سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات في سائر القطاعات الاقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع أقساط المدارسة الخاصة  وارتفاع كلفة المعاملات الإدارية والقانونية، وبالتالي كلفة عيش كل مواطنة ومواطن في لبنان، كما هو واضح في الدراسة المرفقة.

نناشد رئاستكم، باسم كل مواطنة ومواطن لبناني يحلمون بالبقاء في لبنان وتكوين عائلة وتربيتها فيه، عدم التوقيع على قانون زيادة الضرائب والرسوم، وردّ القانون إلى المجلس النيابي لإعادة مناقشته بعد إقرار مشروع الموازنة وتبيان الحاجات التمويلية الفعلية للدولة ولتمويل السلسلة، عملاً بصلاحياتكم الدستورية المنصوص عنها في المادتين 56 و57 من الدستور اللبناني.

فخامة الرئيس،

نناشدكم، عملاً بمسؤوليتكم الكبرى في السهر على ضمان احترام الدستور والمصلحة العامة، استعمال صلاحياتكم الدستورية لإعادة تصويب الأمور وإنقاذ الطبقتين الوسطى والفقيرة في لبنان وتفادي الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي سيرتّبها السير بقانون زيادة الضرائب والرسوم المذكور.

وكلّنا أمل أن يلقى طلبنا ما يستحقه من عناية منكم.

 

بكل احترام وتقدير

كتلة نواب الكتائب اللبنانية

31/7/2017

 

دراسة تحليلية عن الأثر الاقتصادي لإقرار قانون زيادة الضرائب والرسوم

 

يعاني الاقتصاد اللبناني من مشاكل هيكلية وانخفاض خطير في النمو. فرص العمل محدودة و نسبة الدخل قليلة ، البطالة تطال 30٪ من القوى العاملة، البنية التحتية متدهورة والخدمات العامة ضعيفة. مؤشر الأعمال بلغ ادنى مستوى في آخر ثمانية أشهر. أكثر من ثلث سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر. أضف إلى ذلك أزمة النازحين السوريين والحرب في سوريا التي أدتّ إلى تفاقم مشاكل لبنان الاقتصادية والاجتماعية.

ويوضح تطور المؤشرات المالية مدى خطورة الوضع:

 

أ- نمو الناتج المحلي الإجمالي

باستثناء عام 2012، انخفض النمو اللبناني بنحو مستمرّ بين عامي 2009 (10.1%) و2015 (+0.8%)، وفقا لأحدث الحسابات القومية التي نشرت في أواخر أذار 2017.

 

 

ب- ميزان المدفوعات

ميزان المدفوعات الذي يقيس جميع المعاملات التجارية، المالية والنقدية الدولية بين المقيمين وغير المقيمين في عجز منذ عام 2010، باستثناء الزيادة عام 2016 ( أكثر من 1.2 مليار دولار) الناتجة عن عمليات الهندسة المالية التي أجراها مصرف لبنان من العام نفسه. علماً أنّه لم يسبق أن شهد لبنان وضعاً مماثلاً.

 

 

ج- الدين العام:

لقد تضاعف الدين العام منذ سنة 2005. وهو في ازدياد مستمرّ بطريقة خطيرة جداّ حيث وصل إلى 76.9 مليار دولار  أي أكثر من 140% من الناتج المحلي الإجمالي.

 

 

د- الاستثمار الأجنبي المباشر

انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 2009 إلى النصف.

 

 

ه- القطاع الصناعي

تأثر القطاع الصناعي بفعل الأزمات السياسية والأمنية المحلية والإقليمية. وهذا ما انعكس بدوره على النمو الاقتصادي بشكل مباشر وسلبي. فقد خسر حجم القطاع الصناعي في لبنان أكثر من 1.7 مليار دولار من قيمته  بين عامي 2012 و2015، إضافةً إلى أنّ 388 شركات الصناعية اللبنانية أجبرت على التوقف عن العمل بين عامي 2011 و 2015. وتراجعت الصادرات الصناعية بشكل مستمرّ كما هو مبين في الرسم البياني أدناه.

 

 

في ظل الوضع الاقتصادي الحاضر، سينتج عن تطبيق قانون زيادة الضرائب والرسوم عواقب كارثية على ذوي الدخل المحدود في لبنان وعلى الطبقة المتوسطة بشكل خاص والتي تزداد فقراً يوماً بعد يوم. ان تطبيق هذا القانون يزيد من التباطؤ الاقتصادي والضغط على الشركات التي تعاني أصلاً من مشاكل وعوائق كثيرة.

1- مخالفة مبدأ شمولية الموازنة ووحدتها
لم يستند إقرار قانون زيادة الضرائب والرسوم إلى أيّ دراسة رسميّة حول الأثر الاقتصادي والاجتماعي لزيادة الضرائب والرسوم المقترحة.

أضف إلى ذلك أنّ إقرار قانون زيادة الضرائب والرسوم دون ربطها بالموازنة العامة مخالف لمبدأ شمولية الموازنة ووحدتها. كما أنّ البدء بتطبيق هذا القانون قبل إقرار الموازنة سيؤدي أيضا إلى تراخي المسؤولين عن تحقيق الإصلاحات والوفر المطلوب في الموازنة.

2- الزيادات المفروضة أغلبيتها ضرائب غير مباشرة
النظام الضريبي اللبناني مبني بنسبة 75٪ على الضرائب غير المباشرة. وأكثرية الضرائب الواردة في القانون المذكور هي ضرائب غير مباشرة كرسوم المستوعبات، والطوابع والرسوم المالية، ورسوم الفواتير والإيصالات، والضريبة على القيمة المضافة وغيرها. ما يعني أنّ جميع المستهلكين، بغض النظر عن دخلهم، سيتحمّلون زيادة هذه الضرائب غير المباشرة كونها ستنعكس زيادةً على سعر شراء السلع أو الخدمات. وإذا كان لزيادة هذه الضرائب أثرٌ أقلّ على الأثرياء، إلاّ أنّ تأثيرها سيكون كبيراً على الطبقات المتوسطة والفقيرة.

3- الضريبة على القيمة المضافة (TVA)
وفقاً لدراسة نشرتها الجامعة الأميركية في بيروت، إنّ الزيادة على الضريبة على القيمة المضافة سيكون لها أثر سلبي كبير على معيشة الأشخاص الذين يعيشون تحت خطّ الفقر المدقع، ولكن أيضاً على الطبقة المتوسطة والأسر التي تعيش فوق خط الفقر مباشرةً.

في لبنان، أكثر من 30٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر، والزيادة على الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 1٪، من شأنها أن تدفع أكثر من 120.000 شخص إضافي تحت خط الفقر. وعلاوة على ذلك، فإن زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 1٪ ستؤدي إلى زيادة سعر سلة الغذاء بمعدّل وسطي يتراوح بين 5٪ و 10٪ وبالتالي إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي لكل الأسر.

4- زيادة الرسوم على المشروبات الروحية المستوردة
وفقا لدراسة أعدّتها نقابة مستوردي المشروبات الروحية في لبنان، فإن زيادة الرسوم على استهلاك المشروبات الروحية المستوردة بنسبة تتراوح بين 15% و35% من السعر النهائي للمنتج ستؤثرّ سلباً على قطاع السياحة والمطاعم في لبنان.
وستؤثر هذه الزيادة أيضاً على مصير العديد من شركات توزيع المشروبات الروحية التي توظّف حالياً أكثر من 50.000 عائلة. على سبيل المثال:

 

 

5- ارتفاع الأقساط المدرسية

وفقاً للأرقام التي قدمتها المدارس الكاثوليكية، من المتوقع زيادة الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة بنسبة 27٪، بسبب ارتفاع أجور المعلمين في القطاعين العام والخاص.

 

6- التهرب الضريبي

وفقا لدراسة أعدّها بنك عوده، يقدّر التهرب الضريبي حالياً في لبنان بـ 2 مليار دولار. زيادة الضرائب والرسوم ستشجّع على زيادة التهرب من دفع الضرائب، وستعزّز نموّ السوق السوداء، الأمر الذي ينعكس سلباً على الشركات والمؤسسات التي تطبق القوانين بحرفيّتها وتصرّح عن مداخيلها وتدفع مستحقاتها الضريبية بشكل شرعي.

7- ارتفاع نسبة البطالة واستبدال العمالة اللبنانية بالعمالة الأجنبية

زيادة الكلفة والرسوم والضرائب على الشركات والمؤسسات العاملة في لبنان سيؤدي إلى تراجع الاستثمار واستبدال اليد العاملة اللبنانية باليد العاملة الأجنبية والسورية بشكل خاص الأقل كلفة. الأمر الذي سينتج عنه ارتفاع نسبة البطالة وتسريع وتيرة هجرة الأدمغة  واليد العاملة الماهرة ومعيلي الأسر اللبنانية إلى الخارج.

 

8- ازدواجية التكليف الضريبي

استحدثت المادة 19 من المرسوم رقم 10415 تكليفاً جديدأ وزادت عبئأً ضريبياً على كهل الأشخاص الخاضعين للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع وسيما منهم المهن الحرة دون سواهم من المكلفين، يتمثل بإلزامية احتساب الإيرادات المالية الداخلة ضمن وعاء هذه الضريبة والتي يحققونها ويدفعون ضريبتها أساساً مرة أولى لدى المنبع (عن طريق الاقتطاع من قبل المصارف والمؤسسات المالية نيابةً عنهم) إلى إيراداتهم السنوية المهنية، لكي يطبق عليها، بعد حسم قيمة ضريبة الباب الثالث، معدل الربح المقطوع لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول؛ مما يعني بإيجاز أن الربح الخاضع للضريبة المهنية سوف يتضاعف عبئه بفعل زيادة إيرادات جديدة نوعية سبق تكليفها بالضريبة المحددة لها.

إن هذا التدبير يفرض ازدواجية تكليف ضريبي كونه يؤدي إلى إخضاع الإيرادات المالية المشمولة بالمادة 51 للضريبة مرتين وهذا الازدواج يشكّل مخالفة للمبادئ الدستورية الجوهرية وللمبادئ العامة في علم الضرائب. فهو لا يُطبق إلا على المكلفين بضريبة الباب

الأول وسيما منهم الخاضعين للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع، وقد إستثنى بالتالي جميع المكلفين بضريبة الباب الثاني (الموظفين والأجراء) أو الباب الثالث (في حال اقتصرت أعمالهم على حيازة المساهمات وتنفيذ استثمارات مالية). وعلى هذا الأساس، تكون هذه المادة قد خالفت مبدأ المساواة أمام الضريبة المنصوص عنه في كل من الفقرة (ج) والمادة 7 من الدستور اللبناني.

في ضوء هذا التحليل، يتجّه لبنان نحو كارثة اقتصادية نتيجة زيادة الضرائب والرسوم المذكورة. إلاّ أنّه يمكن تلافي ذلك عبر اعتماد تدابير بديلة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب من شأنها تجنب الاهتزاز الضريبي والانهيار الاقتصادي.

بالإضافة إلى الحد من الإنفاق العام ومكافحة الهدر والفساد، نقترح ما يلي:

1- تحسين جباية الضرائب والرسوم ومكافحة التهرب الضريبي الذي يوازي 4.2 مليار دولار سنوياً مفصلّ كما يلي:

2- تحسين إيرادات الجمارك والحدّ من التهرّب الجمركي الذي يتخطّى 800 مليون دولار سنوياً.

3- وضع سقف للإنفاق العام والحدّ من الهدر في الوزارات والإدارات العامة الذي يقارب 650 مليون دولار سنوياً والكامن بشكل أساسي في إيجار المباني الحكومية والمساعدات والهبات للجمعيات والعقود بالتراضي والتوظيف العشوائي.

4- تحصيل ضريبة على الأرباح الاستثنائية التي حققتها المصارف نتيجة الهندسة المالية تساوي 820 مليون دولار كافية لتمويل كلفة سلسلة الرتب والرواتب لمدة سنة.

تواصل معنا